skip to Main Content

هل تحبط تركيا مخططات الدول الداعمة لـ”حفتر” في ليبيا؟

هل تحبط تركيا مخططات الدول الداعمة لـ”حفتر” في ليبيا؟

أكثر ما يغضب الدول الداعمة للواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، هو التعاون والتوافق بين تركيا وحكومة “الوفاق الوطني” المعترف بها دولياً، التي تحاورها الأمم المتحدة للوصول إلى دولة ليبية ديمقراطية سعى لها الليبيون في ثورتهم عام 2011، بعد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي.

وتسعى تلك الدول، وفي مقدمتها الإمارات ومصر وروسيا مؤخراً، عبر مليشيات حفتر  إلى فرض واقع سياسي بقوة السلاح على الأرض، ولو كان ذلك على حساب قتل المدنيين واستهدافهم بالطائرات والقصف العشوائي والممنهج.

اتفاق مفاجئ

وفي خطوة جديدة لم يكن حلفاء حفتر الدوليون ينتظرونها، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، يوم الأربعاء (27 نوفمبر 2019)، توقيعه مذكرتي تفاهم؛ إحداهما حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية مذكرة تفاهم في المجال البحري، وذلك بعد لقاء جمع رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مدينة إسطنبول، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي.

وأجرى السراج زيارة رسمية مفاجئة لتركيا على رأس وفد حكومي بارز ضم وزير الخارجية، محمد سيالة، ووزير الداخلية، فتحي باشاغا، وآمر غرفة العمليات المشتركة، اللواء أسامة جويلي، ووكيل وزارة الدفاع، صلاح النمروش، ومستشار الرئيس للأمن القومي، تاج الدين الرزاقي.

بدوره جدد الرئيس التركي خلالها دعم بلاده لحكومة الوفاق “في مواجهة ما تتعرض له العاصمة الليبية من عدوان طال المدنيين والمنشآت المدنية”، مشدداً على رفض بلاده للتدخل الخارجي في الشأن الليبي، وأن حل الأزمة في ليبيا لن يكون عسكرياً، وأنه لا بد من دعم جهود المبعوث الأممي، غسان سلامة، للعودة إلى المسار السياسي.

وفي سياق متصل قال مدير الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، يوم الخميس (28 نوفمبر 2019): إن “الاتفاق الجديد سيعزز العلاقات بين جيشينا”، مضيفاً: إن “استقرار ليبيا يمثل أهمية كبرى لأمن الليبيين ولمكافحة الإرهاب الدولي”.

في حين أشار وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، الخميس، أيضاً إلى أن مذكرة التفاهم بشأن الحدود البحرية جاءت لحماية حقوق تركيا في البحر المتوسط، مشدداً على أن أنقرة تؤيد التقاسم العادل للثروات.

في ذات الوقت تباينت المواقف في الداخل الليبي من الاتفاق الأمني مع تركيا؛ حيث وصف عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس، عبد الرحمن الشاطر، يوم الخميس، الاتفاق بأنه “انتصار للوطن.. ودعم للمدافعين عن حياضه، ورفع لمعنويات أنصار الحرية والدولة المدنية”، مضيفاً أن “هذا الاتفاق لا يحتاج إلى مصادقة من الأجسام التشريعية في البلدين”.

في المقابل أعلنت حكومة طبرق المدعومة من حفتر رفضها لتوقيع الاتفاق مع الجانب التركي، معتبرة أنه “يهدف إلى تقويض جهود القوات المسلحة في اجتثاث الإرهاب من العاصمة طرابلس، وطرد المليشيات المسلحة منها”، في إشارة إلى أن الاتفاق يتيح لأنقرة دعم قوات حكومة الوفاق في حربها على قوات حفتر.

ولعل التحرك الجديد يثير تساؤلاً عن الدور التركي الذي ربما يحدث فارقاً وتوازناً في ميدان المعركة على الأرض الليبية، إبان الموقف السابق، في أبريل الماضي، بعد شن حفتر لعمليته العسكرية على طرابلس، والتي وصفتها أنقرة بأنها “عدوانية وغير شرعية”، قبل أن تبيع لحكومة الوفاق سلاحاً وعتاداً يمكّنها من الدفاع عن “الشرعية الليبية” المعترف بها دولياً.

وقال أردوغان في هذا السياق، في يونيو 2019: “لدينا اتفاقية تعاون عسكري مع ليبيا، نقدم لهم احتياجاتهم إذا جاؤونا بطلب، وإذا دفعوا ثمنه، واجهوا بالفعل مشكلة من حيث الاحتياجات الدفاعية والمعدات، فحكومة الوفاق لم تتمكن من العثور على دعم عسكري من أي دولة أخرى، باستثناء تركيا”.

وتابع قائلاً: “قوات حفتر كانت قوية جداً من حيث المعدات والطائرات دون طيار، الآن هناك توازن بعد الأعمال القتالية التي دعمناها، وسنقوم بتحديث الاتفاقية الأمنية التي أبرمناها مع ليبيا”.

غضب متوقع

ومن المتوقع أن تثير الخطوة التركية الجديدة مع حكومة الوفاق غضباً لدى عدة دول؛ حيث أظهر كلٌّ من مصر واليونان وقبرص انتقادها المباشر للاتفاق الموقع بين أردوغان والسراج، حيث اتفق وزراء خارجية؛ مصر سامح شكري، واليونان نيكوس دندياس، وقبرص نيكوس خريستودوليدس، على عدم وجود أي أثر قانوني للإعلان عن توقيع الجانب التركي مذكرتي التفاهم مع السراج.

جديرٌ ذكره أن المادة الثامنة من اتفاق “الصخيرات” السياسي بشأن ليبيا تحدد الاختصاصات المخولة لمجلس رئاسة الوزراء، حيث تنص صراحة على أن مجلس رئاسة الوزراء ككل، وليس رئيس المجلس منفرداً، يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية، لكن الغريب أن الوزير المصري لم ينتبه إلى حجم الوفد الليبي الذي كان في إسطنبول، والذي ضم أبرز وزراء المجلس.

مصالح مشتركة

المحلل السياسي التركي حمزة تكين يؤكد أن تركيا دولة مستقلة ومعترف بها دولياً، وعضوة في الأمم المتحدة، وكذلك ليبيا، وبالتحديد حكومة الوفاق الوطني، ومن ثم يحق لهما عقد أي اتفاق تراه الدولتان مناسباً لمصلحتهما.

ويقول تكين في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “لا يحق لأي دولة أخرى في العالم مهما كانت أن تعترض على الاتفاق التركي الليبي الموقع؛ لكون الدولتين ذواتي سيادة ومعترف بهما دولياً، ويأتي ضمن المصالح المشتركة بينهما”.

وحول الفائدة من مذكرتي التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية حول التعاون الأمني والمجال البحري، يوضح تكين أن المذكرتين تضمنان المصالح الأمنية المشتركة بين البلدين، خاصة من ناحية التهريب البحري، والهجرة غير الشرعية.

ويتوقع أن تشمل مذكرتا التفاهم تعاوناً في أمور أخرى فيما يتعلق بالحدود والدعم البحري الذي ربما تقدمه تركيا لحكومة الوفاق الوطني، بما يضمن مصالحها مع الشعب الليبي.

ويستدرك بالقول: “الاتفاق لا يضمن التوازن بالمنطقة فقط، وليس إعلاناً جديداً لدعم الوفاق، فالكل يعرف أن تركيا أعلنت دعمها العلني والمباشر لحكومة الوفاق لكونها معترفاً بها دولياً، ولا يحق لأحد أن يقول لماذا”.

ويضيف: “السؤال الذي يجب أن يطرح لماذا بعض القوى تدعم جهة غير معترف بها دولياً؟ وبشكل رسمي خليفة حفتر، الذي لم يقدم لليبيا سوى التدمير وسرقة الثروات لحساب أنظمة الثورات المضادة في العالم العربي”.

وعن موقف الولايات المتحدة من الاتفاق يشدد على أن تركيا لا تنتظر ضوءاً أخضر من أحد لعقد أي اتفاق أو فسخه مع أي دولة في العالم؛ “فهي تسعى لعلاقة جيدة مع واشنطن، ولكن على “قاعدة الندية ووجهاً لوجه، وليس على قاعدة العبودية وتلقي الأوامر منها”، كما قال.

وأكمل موضحاً: “لم تساند تركيا منذ انطلاق الربيع العربي أي جهة كانت سبباً في قتل وتدمير ونهب ثروات الشعوب”.

وحول الغضب المصري من الاتفاق يقول الصحفي التركي: “لا يوجد أي اعتبار أو قيمة للنظام المصري لدى الدوائر الرسمية التركية؛ لأنه انقلابي ضعيف تسبب في قتل الآلاف من المصريين، ولا يوجد له أي وزن في المجتمع الدولي”.

وعن الموقف اليوناني يشير إلى أن تركيا لديها مواقف متقدمة من أثينا، إذ تستمر في التنقيب عن الغاز والنفط شرق المتوسط، مع تحذيرها لليونان من التعرض لهذه السفن، مشيراً إلى أن تركيا “لا تعطي أي اهتمام لغضب قبرص لكونها تابعة لليونان”.

موقف الإمارات؟

ومن الأطراف التي لم تظهر غضبها علناً دولة الإمارات، المتهمة بارتكاب جرائم حرب في ليبيا؛ عبر تمويل عملية طرابلس، ومد حفتر بالعتاد والمال لإفشال المرحلة الانتقالية في البلاد، في حين شنت حملة إعلامية عبر أذرعها وقنواتها ومواقعها الإلكترونية لتشويه الاتفاق بين الجانبين التركي والليبي.

وسائل الإعلام الإماراتية اعتبرت أن الاتفاق بين أنقرة وطرابلس يعد تدخلاً تركياً في ليبيا، في ذات الوقت عملت أبوظبي على تمرير شحنات أسلحة جديدة إلى مليشيات حفتر، حيث ذكرت صحيفة “العربي الجديد”، عن مصادر مصرية خاصة (لم تسمها)، يوم الجمعة (29 نوفمبر 2019)، قولها: إن “شحنة أسلحة إماراتية ضخمة دخلت إلى مليشيات حفتر عبر الحدود الغربية المصرية، برفقة عدد من العسكريين الإماراتيين والمصريين، في العاشر من نوفمبر 2019″،

وقالت المصادر التي تحدثت، إن الأسلحة التي دفعت بها أبوظبي لمليشيات حفتر أخيراً جاءت كمحاولة لمعادلة قوة حليفها مع قوات حكومة الوفاق، بعد اختلال ميزان القوة أخيراً بشكل كبير.

كما تشترك روسيا كذلك في دعم مليشيات حفتر، وإن لم تتخذ موقفاً مباشراً من الاتفاق الجديد، إلا أن إعلامها كان ينطق بما تكنه صدور المسؤولين الروس، في ظل وجود قوات روسية تقاتل إلى جانب حفتر قرب طرابلس.

وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في وقت سابق، أن هؤلاء المرتزقة يخضعون لقيادة أحد حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما نفته موسكو.

من جانبها قالت وكالة “بلومبيرغ”، (15 نوفمبر 2019)، إن عدد المقاتلين الروس في ليبيا بلغوا أكثر من 1400 جندي شاركوا في القتال المباشر وإدارة المدفعية، بالإضافة لطيارين، وفقاً لما ذكره ثلاثة مسؤولين غربيين.

ويرى مراقبون أن الاتفاق الأمني من شأنه أن يمكن تركيا من دعم حكومة الوفاق عسكرياً بشكل أكثر راحة؛ لأنه عقد مع جهة معترف بها أممياً، ويبدو أن هناك غطاء أمريكياً ساعد أنقرة على التحرك ضد الوجود الروسي، ما يمكن من تحقيق توازن.

وأشاروا إلى أن صلاحيات الرئيس التركي العسكرية تمكنه من تحركات محدودة خارج البلاد دون العودة للبرلمان، وإن كان الاتفاق لا يرقى لمستوى دفاع مشترك، لكنه مساحة واسعة لدعم الوفاق في مرحلة ستكون ذات فصول جديدة في الأرض الليبية.

ويعتقدون أن ما قامت به أنقرة يعد تخريباً واضحاً للتحركات العسكرية لكل من الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا في ليبيا؛ لأنه سيحقق توازناً في القوة، وربما يتجاوز قوات حفتر التي خسرت الكثير في الفترة الماضية، وتحولت من الهجوم إلى الدفاع.

جدير بالذكر أن قوات حفتر تشن، منذ الرابع من أبريل الماضي، هجوماً للسيطرة على طرابلس، أسفر عن سقوط أكثر من 1000 قتيل وما يزيد على 5500 جريح، وفق ما أفادت به منظمة الصحة العالمية، في الخامس من يوليو الماضي، لكن تلك القوات فشلت في إحداث اختراق حقيقي نحو وسط العاصمة.

المصدر: الخليج أون لاين